ظاهرة الشيكات المرتجعة تعد نتاج طبيعي لانتشار وتطور العمل المصرفي، إلا أن تفاقم وازدياد هذه الظاهرة لها عدة أسباب تتعلق بشكل أساسي بالبيئة وثقافة المجتمع ووعيه المصرفي، والتشريعات التي تنظم العمل المصرفي، كما تنتج لأسباب اقتصادية، وفي مجتمعاتنا «النامية» تتفاقم هذه المشكلة لهذه الأسباب مجتمعة، ومن الصعب السيطرة عليها بل إنها أصبحت أمرا عاديا.
وقبل التعرض إلى آثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، يتوجب أولا معرفة الأسباب التي أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة، حيث يمكن إرجاع ظهورها إلى الآتي:
البيئة وثقافة المجتمع ووعيه المصرفي
حيث يرى الكثير من أفراد المجتمع بأنه من غير العدل أن يسجن «شخص» بسبب عسره المالي، مما يجعل الكثيرين التمادي في تحرير شيكات بدون رصيد،، كما يعتقد الكثير من الناس بأن الشيك أداة ائتمان وليس أداة سداد ودفع دين، وبذلك فإنهم يستخدمونه بتحديد تواريخ آجلة، لتسهيل بعض الأعمال التجارية ومنح أنفسهم بعضا من الوقت للسداد في وقت لاحق. بالإضافة إلى سوء نية البعض تجاه آخرين « لتحقيق أغراض أخرى»، قبول شيطات ثم يعمدون للمطالبة بها وهم على علم بأن من قام بتحرير الشيك ليس لديه الرصيد الكافي. هذا فضلا عن عدم الحاجة إلى التعامل الدائم مع المصارف لتلبية وتسيير النشاطات اليومية والدائمة ونقص الوعي المصرفي يجعل الكثير لا يبدي اكتراثا لخسارة تعاملهم مع المصارف.
التشريعات
تساهل بعض المصارف في فتح الحسابات الجارية، ومنح وإصدار الشيكات بسبب المحسوبية والفساد والرشوة، مما يسهل إعطاء الشيك دون التحقق من سمعة العميل. وعدم اكتراثها بتعليمات البنك المركزي، والعقوبات الصادرة عنه، مع العلم بأن البنك المركزي يدرج كل فرد يصدر مثل هذه الشيكات لثلاث مرات في القائمة السوداء، إما لأن العقوبات والقيود غير كافية، أو لأن العقوبات لا تنفذ من قبل البنك المركزي بسبب الفساد والرشوة وضعف أداء الرقابة والتفتيش.
كما تتفاقم هذه الظاهرة بسبب ضعف إجراءات المحاكم وبطئها في البت في القضايا وإصدار الأحكام وتنفيذها، وبالتالي صعوبة مقاضاة أصحاب المال لمن يقوم تحرير هذه الشيكات.
أسباب اقتصادية
حيث تزداد هذه الظاهرة في فترات الركود والتراجع الاقتصادي، فكلما تفاقمت هذه الظاهرة كلما دلّت وأعطت الانطباع بـ «تدهور الحالة الاقتصادية» فهي انعكاس لشحة السيولة، كما تزداد ممارسة الأفراد لهذه السلوكيات في الوسط التجاري حيث يلجأ التجار إلى البيع الآجل بطرق الدفع الآجل، لعدم كفاية الرصيد، لتشدد المصارف في منح التسهيلات وانتشار ظاهرة البيع بالتقسيط.
وعليه يمكن إيجاز أثر هذه الظاهرة على الاقتصاد الوطني، من خلال ما تعكسه هذه الظاهرة من ترسيخ الانطباع السلبي على أداء الجهاز المصرفي والاقتصاد الوطني، حيث تدل على تدهور الحالة الاقتصادية للبلد، وتأكيد على تراجعها، مما يعني نقصا في السيولة الناتج عن تراجع النشاط التجاري، وانكماشا في الطلب على السلع والخدمات. كما تؤثر على الثقة المتبادلة بين أطراف العملية التجارية، بل إنها تفقد الثقة بالتعامل بالشيكات مما يعني عودة المجتمع إلى التعامل بالطرق التقليدية «الكاش»، مما يحد من قدرة المصارف على «خلق نقود وودائع»، والحد من كفاءتها في الذي ينعكس سلبا على أداء الاقتصاد بشكل عام. مما يعني ازدياد تكلفة المعاملات «الصفقات» (Cost transactions) وقتا وجهدا ومالا.
وللحد من هذه الظاهرة يتوجب إزالة الأسباب التي أدت إلى ازديادها وتفاقمها، كما يستدعي ذلك أن يقوم البنك المركزي وجمعية البنوك وأصحاب العلاقة بتبني حملات توعية للمواطنين بهذه الظاهرة من خلال وسائل الإعلام وتوضيح آثارها السلبية، ورفع مستوى الوعي المصرفي بشكل عام. ويتوجب أن تكون المصارف أكثر حرصا وأن تتوخى الحذر في فتح الحسابات الجارية وإصدار الشيكات لعملائها وأن يكون ذلك مبنيا على سمعة العميل وملاءته. وأن تطور من أدواتها الائتمانية واستبدال الشيكات بالبطائق الائتمانية للحد من استخدام الشيكات.
كما على الدولة أن تلزم جميع موظفيها التعامل مع المصارف، وتشجيع الآخرين بما فيها “الأرياف” ونشر نقاط البيع الالكترونية، لزيادة حاجة الناس للعمل المصرفي، والذي سيجعلهم حذرين تجاه أي تصرف يمكن أن يفقدهم التعامل المصرفي. بالإضافة إلى تشديدها للعقوبات وتنفيذها بشكل صارم، وعلى البنك المركزي التعميم بضرورة عدم التعامل مع “محرري الشيكات بدون رصيد” والذين تم إدراجهم في القائمة السوداء، ويتطلب ذلك نظام معلومات متكامل يربط بين قاعدة بيانات البنك المركزي “القائمة السوداء “و” السجل الائتماني” بالمصارف، وبشبكة جهات إصدار بطائق الهوية. كما تتحمل المصارف مسئولية المخالفة وتجاوزها تعليمات البنك المركزي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق