أضحت قضية هجرة العقول العربية من القضايا المتصدرة لنقاشات الكثير من الهيئات والمؤسسات الوطنية وتشغل بال الكثيرين من الباحثين والمهتمين الذين يدركون مدى ما تمثل هجرة العقول من نزيف معرفي وعلمي واقتصادي للبلدان الطاردة للكفاءات والأدمغة.
وحول نوعية وأسباب هجرة العقول العربية يرى الدكتور صلاح المقطري أستاذ الاقتصاد في كلية التجارة بجامعة صنعاء أنه قبل الحديث عن الظاهرة لابد من تشخيصها موضحاً: تصنيف العقول المهاجرة إلى ثلاث فئات كل فئة لها أسبابها ودوافعها للهجرة والبقاء في بلد المهجر، وبعضها عامة تشمل:
الأولى هجرة ما قبل تحرر البلدان العربية من الاستعمار، وكانت نتيجة الفقر والبؤس والبحث عن سبل العيش ولارتباط كثير من الدول العربية بالدول المستعمرة لها، حيث تم استخدام هؤلاء المهاجرين كمحاربين أو عمال بناء لبناء أو إعادة اعمار ما دمرته الحربان العالميتان الأولى والثانية، هذه الفئة متمثلة بأبناء هؤلاء المهاجرين «الجيل الثاني والثالث» هؤلاء استقروا وتكيّفوا على العيش في بلدان الاغتراب وتمثل هذه الفئة استنزاف بسبب عدم عودتهم للمشاركة في عمليات التنمية في بلدانهم، ويصعب عودة هؤلاء بسبب امتزاجهم مع تلك المجتمعات من جهة وصعوبة تأقلمهم مع بلادهم الأصلية الناتج بسبب الفارق التنموي والحياتي لصالح بلدان المهجر.
الفئة الثانية: وهم المسافرون لمواصلة دراستهم فقط سواء العليا الأولية أو المتقدمة، والكثير منهم استقروا، حيث تشير بعض التقارير إلى أن نسبة منهم لم تعد إلى بلادها ويصل عددها 54%، حيث حصلوا على فرص عمل أفضل، وتكيفوا على الحياة هناك، وبعضهم عاد إلى وطنه.
الفئة الثالثة: وتشمل من هاجر للعمل أو للبحث العلمي، وكان دافعهم للهجرة عدم حصولهم على عمل بسبب تفشي ظاهرة البطالة في بلدانهم، أو الحاجة إلى تحسين مستوى معيشتهم وكذلك لتحسين قدراتهم البحثية والتي من الصعوبة بمكان تحقيقها في أوطانهم.
والأسباب المؤدية إلى تلك الهجرات حسب المقطري هي متداخلة ومتشابكة بالعامل الداخلي والخارجي والسياسي بالاقتصادي والاجتماعي وأهمها: الاضطرابات السياسية التي شهدتها وتشهدها هذه البلدان، من حروب ونزاعات طائفية أو مذهبية، الفساد السياسي والإداري من انتشار المحسوبية والوساطة والبيروقراطية، ما ولد الشعور بالظلم والغبن.
كما أن عجز الحكومات العربية عن إيجاد مشاريع تنموية وعلمية واضحة وسليمة لم توفر مناخاً وبيئة مناسبة ومشجعة لنشاط البحث العلمي ليستوعب الطاقات، بالإضافة لضعف الهيكل الإنتاجي في تلك الدول، ما أدى إلى تفشي البطالة، وعدم توفر فرص العمل المتاحة للتخصصات التي تم تحصيلها. وبالتالي، عدم قدرة هؤلاء إلى تأمين مستوى معيشي ملائم، بل الأسوأ عدم القدرة على توفير لقمة العيش. فتسبب ذلك في إحباط نتيجة إهمال مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لهم لأنها تفضل العمالة الأجنبية.
وفي المقابل هناك عوامل جذب في بلدان المهجر مثل توفير المناخ المناسب والملائم للبحث العلمي، إذ يوجد الكثير من المراكز البحثية التي تقدم الإغراءات المادية.
وفي ما يتعلق بإمكانية عودة العقول المهاجرة إلى مواطنها يقول أستاذ الاقتصاد المقطري: «بالتأكيد يمكن عودة الكثير من هذه العقول، للاستفادة منها غير أن ذلك رهن بشروط أولها: إقناع راسمي السياسات في الدول العربية بأهمية تلك الكفاءات، وما تمثله هجرتهم من خسارة على بلدانهم في الحاضر والمستقبل وقدرت بعض الدراسات ان الخسائر تتجاوز 200 مليار دولار.
http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1250778385782&pagename=Albayan/Article/FullDetail |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق