الإثنين , 15 مارس 2010 م
*بعد ما يقارب 15 عاماً لتفادي الكارثة.. المخاطر تتزايد
* استطلاع: أشرف الريفي
منذ العام 95 بدأت بلادنا بتنفيذ إصلاحات إقتصادية لإنقاذ الإقتصاد الوطني من الإنهيار وتفادي كارثة كانت وشيكة.
ومنذ ذلك الحين لا تزال بعض جزئيات البرنامج الاقتصادي لم تنفذ كاملة، ناهيك عن اختلالات ومشاكل رافقت عملية تنفيذ هذا البرنامج.
"النداء" ناقشت مع عدد من الاقتصاديين المتخصصين هذه التجربة بإيجابياتها وسلبياتها ومعوقات نجاحها.
وبعين الاقتصادي المتخصص نقدم لكم شرحا مفصلا ومفيدا لتجربة هامة من تجارب الاقتصاد الوطني، تم تناولها من قبل عدد من أساتذة الاقتصاد بمنظور تقييمي وفني بحت.. فإلى الحصيلة:
في البداية يقول الدكتور صلاح ياسين المقطري أستاذ الاقتصاد والتمويل المساعد بجامعة صنعاء، إن اليمن عانت في العام 94، العديد من الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووصل الوضع الاقتصادي الى حد كارثي، وبرزت مؤشراته بتدهور مستمر في سعر الريال وانخفاض حاد للقوة الشرائية (معدلات مرتفعة للتضخم)، وعجز موازنة مزمن، وسعر ادخار سالب، ومعدل نمو سالب للناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن معدل بطالة مرتفع، وعجز كبير في ميزان المدفوعات، وانخفاض حاد وكارثي في احتياطي اليمن من العملات الصعبة، وأصبح يغطي فقط ما يساوي واردات 45 يوما، فيما الديون الخارجية وصلت الى ما يقارب الـ10 مليارات دولار، وانعدام ثقة الدائنين في الاقتصاد اليمني.
وأكد المقطري أن هناك عوامل عديدة ومتشابكة ساهمت في ظهور تلك الاختلالات وتفاقمها، كان أهمها اندماج اقتصادين مختلفين أيديولوجياً، وما رافق ذلك من اختلالات وتشوهات بسبب عدم قيام الوحدة على أسس مدروسة وممنهجة، ولم تحدد الإجراءات والخطوات التنفيذية بشكل واضح، فكثير منها قامت على المحاصصة بين صانعي الوحدة، وتربص كل طرف بالآخر، مما أدى إلى نمو شعور بعدم الثقة بينهما. إضافة إلى موقف اليمن الداعم للعراق ونظامه في حرب الخليج الثانية وغزو الكويت، الأمر الذي أدى إلى عودة ما يقارب المليون مغترب من دول الخليج، ما أفقد اليمن تحويلاتهم المالية، وشكلت عودتهم عبئاً إضافياً على الاقتصادي اليمني، وعدم قدرته على استيعابهم. كما أدى ذلك إلى قطع وتخفيض حاد في المساعدات والمنح والقروض المقدمة لليمن من دول الخليج والدول الكبرى والمنظمات الدولية. ناهيك عن فاتورة الحرب بين فرقاء الوحدة، الأمر الذي زاد من ثقل الأعباء الاقتصادية والسياسية.
وقال المقطري إن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي كان خيارا وحيدا للخروج من العزلة السياسية ولوقف تدهور الاوضاع الاقتصادية وإزالة الاختلالات والتشوهات السعرية والهيكلية وزيادة الكفاءة الاقتصادية ودمج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد الدولي وفقا لروئ وشروط صندوق النقد والبنك الدوليين رغبة في إعادة تدفق الدعم الخارجي سياسيا واقتصاديا.
ويرى أن برنامج الإصلاح حقق في مراحله الأولى "التثبيت الاقتصادي" من استمرار استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية، مثل سعر الصرف، معدل التضخم، عجز الموازنة في حدود آمنة، وعدم تمويله تضخميا، ومعدل موجب للناتج المحلي الإجمالي، وفائض في ميزان المدفوعات لعدد من السنوات.. ويمثل ذلك الإيجابية الوحيدة من تطبيق البرنامج.
ويقول المقطري إن ارتفاع أسعار كميات النفط واعتماد الحكومة عليه، أدى إلى عدم التقيد ببرنامج الإصلاح، وتقاعس ولامبالاة في التنفيذ الدقيق للكثير من سياساته، واعتقدت أن النفط سيغطي على العيوب والاختلالات التي رافقت تطبيق وتنفيذ البرنامج، الأمر الذي انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي بشكل عام.
وأشار إلى أن ذلك أدى إلى ظهور اختلالات وتشوهات كبيرة بجانب الآثار الاجتماعية التي نجمت عن تطبيق البرنامج في مراحله الأولى حتى الآن، منها اعتماد الاقتصاد اليمني على العالم الخارجي لتلبية حاجياته، وبالتالي زيادة الواردات بشكل كبير، ولم تحقق الصادرات غير النفطية نموا مرتفعا كانعكاس لتخفيض وتحرير الريال.
ومن الاختلالات التي نجمت -حسب المقطري- استمرار مرحلة التثبيت الاقتصادي لفترة طويلة، وكذلك التصحيح والتكييف الهيكلي لم يتم الانتهاء منه، مما يعني استمرار معاناة شريحة كبيرة من فئات المجتمع، فلا يمكن جني ثمار برنامج الإصلاح إلا بعد الانتهاء من تنفيذ جميع سياساته كمنظومة متكاملة.
وقال إن زيادة معدلات البطالة، تعني أن البرنامج عجز عن تحقيق معدلات مرتفعة لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، قادرة على امتصاص العمالة وتوفير فرص جديدة. كما أن زيادة معدلات الفقر تعد من التشوهات الناتجة كون البرنامج أحدث في مراحله الاولى آثاراً اجتماعية شملت شريحة كبيرة بما فيها فئة ذوي الدخل المحدود، ولم تستطع الاجراءات الاخيرة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، التخفيف من الفقر، بالإضافة إلى أن الحكومة حرمت من دعم مباشر نتيجة عدم مصداقيتها في تنفيذ البرنامج بسبب الفساد المالي والإداري.
ويضيف المقطري أن الحكومة لم تستطع سد الثغرات في التشريعات القضائية والتجارية وتفعليها، الأمر الذي انعكس سلبا في تنفيذ كثير من أجندة برامج الإصلاح، وبالتالي أصبحت البيئة غير ملائمة أو جاذبة للاستثمار المحلي أو الأجنبي. مشيرا إلى أن الاختلالات الإدارية والمؤسسية استمرت، فاستراتيجية الأجور خُلقت مشوهة، والفساد الإداري والمالي تفاقم، والشفافية لم تظهر الى النور. وكذلك لم تستطع استراتيجية الأجور تحفيز التعليم، بل زادت من تشوهات الجهاز الإداري.
وقال إن البرنامج الاقتصادي ساهم في تصفية وتحويل وبيع وحدات من القطاع العام الى القطاع الخاص بأسعار بخسة كان يمكن لها أن تستمر إذا ما تم إعادة هيكلتها، كما أن ذلك لم يتم بناء على دراسات علمية تراعي الآثار الناجمة. كما أن تخفيض التعرفة الجمركية، لم يؤد إلى تحسين أو الاستفادة من مزايا الاندماج مع العالم الخارجي، بل أدى إلى فقدان موارد كبيرة كانت الدولة تجنيها، ولم يتم فرض شروط معينة تراعي إمكانيات البلد، وحتى الآن لم نستطع الانضمام الى منظمة التجارة العالمية للاستفادة من بعض الشروط التي تستفيد منها الدول الأقل نموا.
وفي الإجمال يقول الدكتور المقطري إن برنامج الإصلاح الاقتصادي حقق استقرارا في بعض مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي (الإيجابية الوحيدة)، وهذا يعني نجاحاً نسبياً لمرحلة التثبيت الاقتصادي، ولم تستطع الحكومة تنفيذ برنامج التصحيح الهيكلي أو برنامج التخفيف من الفقر، وتطبيقه كمنظومة متكاملة.
وأضاف: "يلوح حاليا في الأفق، عدم استقرار بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي، وما نخاف منه، العودة إلى "المربع الأول"، أي إلى وضع ما قبل تنفيذ البرنامج، حيث ارتفع عجز الموازنة العامة للدولة، نتيجة انخفاض أسعار وكمية النفط، وهناك عجز في ميزان المدفوعات، ومعدل ضعيف للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وارتفاع معدل التضخم، وتآكل الاحتياطيات من العملات الأجنبية، فأصبحت تغطي فقط ما يساوي 7 أشهر من الواردات، والذي انعكس بشكل انخفاض في قيمة الريال أمام الدولار، برغم ضخ البنك المركزي لعملة أجنبية على مدى العام الأخير ليصل أكثر من مليار دولار".. متسائلا: إلى متى يستمر هذا النزيف؟
وحول توجه الحكومة الى رفع جزئي للدعم الموجه للمشتقات النفطية من خلال رفع أسعارها مؤخرا.. اعتبر المقطري أن هذا التوجه يهدف لتبني سياسات تقشفية ربما تستمر لسنوات عديدة لمنع انهيار اقتصادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق